كرة القدم الأفريقية

أسان دياو.. عندما تجرعت إسبانيا مرارة قارة بأكملها

لطالما عانت منتخبات القارة الإفريقية من نزيف المواهب لصالح المنتخبات الأوروبية، حيث فَقَدت العديد من الأسماء اللامعة التي اختارت تمثيل بلدان نشأتها في القارة العجوز بدلاً من أوطانها الأم.

هذه الظاهرة أصبحت مألوفة مع تصاعد المنافسة العالمية على استقطاب اللاعبين الواعدين؛ ولعل صاحب الأصول المغربية “لامين يامال” آخر المواهب الضائعة من قارة إفريقيا لصالح أوروبا وبالتحديد “منتخب إسبانيا”.

غير أن المشهد تغيّر هذه المرة، مع قرار أسان دياو ارتداء قميص منتخب السنغال بدلاً من تمثيل “لا روخا”، ليقلب الطاولة على إسبانيا، ويجعلها تعيش ذات المرارة التي عانت منها منتخبات إفريقيا لعقود.

من هو أسان دياو؟

أسان دياو أو أساني دياو أو الحسن دياو، موهبة صاعدة في عالم كرة القدم، كان يُنظر إليه كأحد نجوم المستقبل للكرة الإسبانية بعد أن تدرّج في الفئات السنية للمنتخب الإسباني.

وُلد أساني دياو يوم 7 سبتمبر 2005 في مدينة ندانغاني، السنغال، وانتقل إلى إسبانيا عام 2008 وهو في الثالثة من عمره، حيث نشأ في مدينة بطليوس.

وبدأ اللاعب السنغالي مسيرته الكروية في الفئات السنية لنادي سي دي بطليوس (Club Deportivo Badajoz)، ثم انتقل إلى نادي سي بي فليشا نيغرا (C.P. Flecha Negra).

وكانت بداية خروج موهبته الفذة إلى النور حينما انضم إلى أكاديمية بالون دي قادش (Balón de Cádiz)، وهناك لفت أنظار كشافي ريال بيتيس، لينضم إلى أكاديمية الفريق الأندلسي في يوليو 2021.

وبرز أسان دياو كلاعب واعد في ريال بيتيس وساهم في وصول فريق الشباب (تحت 20 عامًا) إلى نهائي كأس الأبطال للشباب في موسم 2022-2023، كما خاض 20 مباراة مع الفريق الرديف، مسجلًا أربعة أهداف.

وفي يوليو 2023، وقع عقدًا جديدًا مع بيتيس يمتد حتى عام 2027، ما عكس ثقة النادي في قدراته.

وشارك دياو لأول مرة مع الفريق الأول لريال بيتيس في 21 سبتمبر 2023، خلال مواجهة ضد رينجرز في الدوري الأوروبي. وبعدها بأسبوع، سجل هدفه الأول في الدوري الإسباني خلال مباراة ضد غرناطة.

أسان دياو في أول ظهور مع الفريق الأول لريال بيتيس
أسان دياو في أول ظهور مع الفريق الأول لريال بيتيس

وبعد 47 مباراة بمختلف المسابقات مع ريال بيتيس و9 مساهمات (6 أهداف، و3 تمريرات حاسمة)، جاء القرار العجيب من الإدارة بالموافقة على بيع دياو بشكل نهائي إلى كومو الإيطالي، في سوق الانتقالات الشتوية يناير 2025.

وبلغت قيمة انتقال أسان دياو من ريال بيتيس إلى كومو 12 مليون يورو، ليصبح أغلى صفقة في تاريخ النادي الإيطالي الذي تأسس في عام 1907.

دياو يسير عكس التيار

مع تصاعد مستواه وتألقه مع كومو، دخل دياو دائرة اهتمام المنتخب الإسباني الأول، إلا أن اللاعب فاجأ الجميع عندما قرر الدفاع عن ألوان بلده الأم، السنغال، في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026، مفضلاً السير عكس التيار في وقتٍ كان من المتوقع أن يسلك ذات الطريق الذي سار عليه غيره من المواهب الإفريقية التي فضلت المنتخبات الأوروبية.

قرار دياو جاء بمثابة صدمة كبيرة للاتحاد الإسباني ووسائل الإعلام المحلية، التي اعتبرت الأمر “خسارة فادحة”، خاصة أن اللاعب نشأ وتطور في بيئة كروية إسبانية.

كما عبّر لويس دي لا فوينتي، مدرب إسبانيا، عن استيائه بشكل غير مباشر، مشددًا على أهمية اللعب لمنتخب “لا روخا” بدافع الرغبة والالتزام التام.

ومثل دياو منتخبات إسبانيا تحت 18 وتحت 19 عامًا، وشارك في بطولة أوروبا تحت 19 عامًا 2023، حيث وصل المنتخب الإسباني إلى نصف النهائي؛ وفي أكتوبر 2023، استُدعي لأول مرة لمنتخب إسبانيا تحت 21 عامًا.

أسان دياو بقميص منتخب إسبانيا تحت 21 عامًا
أساني دياو بقميص منتخب إسبانيا تحت 21 عامًا

المشهد بدا وكأنه “رد الدين” لما قامت به إسبانيا مع مواهب أخرى من أصول إفريقية، أبرزها قضية نجم برشلونة الواعد “لامين يامال”، اللاعب الذي اختار تمثيل إسبانيا على حساب المغرب، رغم أصوله المغربية الواضحة.

وعندما فضّل يامال اللعب لـ”لا روخا”، ساد شعور بالإحباط في المغرب، الذي رأى كيف تُنتزع منه موهبة استثنائية لصالح منتخب أوروبي.

واليوم، تتكرر القصة ولكن من الجانب الآخر؛ فإسبانيا التي كانت تفخر بأنها جذبت يامال من المغرب، وجدت نفسها في الموقف ذاته، بعد أن فضّل أسان دياو تمثيل السنغال على الرغم من محاولاتها إقناعه بالبقاء.

انعكاس الموازين

ما فعله أسان دياو كشف النقاب عن التحديات التي تواجهها المنتخبات الأوروبية في الحفاظ على مواهبها مزدوجة الجنسية.

فالخيار الذي اتخذه دياو يُمثل انعكاسًا للتحول التدريجي في وعي اللاعبين من أصول إفريقية، الذين باتوا يدركون أهمية تمثيل أوطانهم الأم والمساهمة في رفع شأن كرة القدم الإفريقية.

السنغال، التي نجحت في استقطاب أسان دياو، تقدّم نموذجًا ملهمًا لبقية المنتخبات الإفريقية، حيث تسعى للاستفادة من مواهبها المنتشرة في أوروبا، واستقطابها لتمثيل القارة السمراء في المحافل العالمية.

رسالة قوية لإفريقيا

رسالة أسان دياو ليست مجرد قرار شخصي، بل تُعدّ إشارة قوية إلى أن الموازين بدأت تتغير، وأن إفريقيا قادرة على استعادة مواهبها رغم محاولات الإغراء الأوروبية.

ففي الماضي، كان الطريق المعتاد للاعبين الأفارقة هو الانجراف نحو المنتخبات الأوروبية بحثًا عن الشهرة والبطولات الكبرى.

ولكن مع تغيّر الأوضاع الكروية وتنامي الوعي بأهمية الانتماء والهوية، قد نرى اللاعبين الأفارقة أكثر رغبة في تمثيل أوطانهم الأم خلال السنوات القادمة.

اقرأ ايضاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم adblock

من فضلك قم بتعطيل adblock (حاجب الاعلانات)