سوبر كلاسيكو: حكاية تنافس تُروى على إيقاع السامبا والتانغو

في عالم كرة القدم، هناك مواجهات تظل محفورة في ذاكرة الجماهير، لكن القليل منها يبلغ مستوى الإثارة والتنافس الذي يميز “سوبر كلاسيكو” بين البرازيل والأرجنتين.
هذا الصراع يتجاوز حدود اللعبة ليُجسد إرثًا تناقلته الأجيال، حيث يمتزج التاريخ بالشغف والثقافة في منافسة ملحمية بدأت ملامحها الأولى في مطلع القرن العشرين، تحديدًا خلال فترة الحرب العالمية الأولى، لتتحول مع مرور الزمن إلى واحدة من أعظم وأشرس المواجهات الكروية على الإطلاق.
لطالما كانت هذه المباريات مسرحًا لألمع نجوم الكرة، فمن الجانب البرازيلي تألق أسماء خالدة مثل بيليه وزيكو ورونالدو ورونالدينيو ونيمار. ومن الجانب الأرجنتيني برزت أساطير لا تُنسى أمثال مارادونا وريكيلمي وباتيستوتا وميسي، لتبقى هذه المواجهات حكاية متواصلة من الإبداع والتحدي.
رقصة السامبا وروح التانغو
تبدو كرة القدم في البرازيل كرقصة سامبا تُنسج خطواتها على العشب الأخضر، حيث يتحول اللاعبون إلى فنانين يرسمون لوحات من الإبداع والمتعة، بينما تعبر الأرجنتين عن شغفها الكروي بروح التانغو، رقصة تحمل في طياتها مزيجًا من العاطفة والالتزام والشراسة.
وراء هذه المبارزات، تقف ثقافتان رياضيتان تجسدان الكبرياء الوطني، ما يجعل كل مواجهة بين المنتخبين أشبه بمعركة لإثبات الذات، تتجاوز فيها المنافسة حدود الملعب لتلامس عمق الانتماء والهوية.
ولا يمكن فصل هذه المباريات عن طابعها العاطفي الجياش، إذ تضفي “الطبيعة اللاتينية الحادة” جرعات إضافية من الانفعالات، سواء بين اللاعبين أو في المدرجات، لتصبح كل دقيقة تمر في المباراة مشتعلة بالحماس والتوتر.
سجل التاريخ مشاهد من الشغف والغضب والانتصار والانكسار، حيث كانت التوترات والمشاحنات جزءًا أصيلًا من هذا الصراع الكروي العريق، لترسم ملاحم لا تُنسى تُبرز القيمة الحقيقية لهذه المنافسة التاريخية؛ وهو ما نسلط عليه الضوء في هذا التقرير.
بيليه ومارادونا
رغم أن بيليه ومارادونا لم يلعبا في حقبة زمنية واحدة، فإن المقارنات بينهما لم تتوقف يومًا، في صراع كروي يجسد عظمة كل منهما في أعين محبيه سواء في البرازيل والأرجنتين.
واعتزل بيليه كرة القدم في الأول من أكتوبر عام 1977، وهو في السابعة والثلاثين من عمره، ليُسدل الستار على مسيرة كروية حافلة بالإنجازات والألقاب.
في حين كان مارادونا قد بدأ رحلته الاحترافية قبل ذلك بعام واحد فقط، عندما خاض أول مباراة رسمية له مع نادي أرجنتينوس جونيورز في العشرين من أكتوبر عام 1976، لتتداخل لحظات نهاية أسطورة مع بداية أخرى.

ويُنظر إلى بيليه في البرازيل باعتباره رمزًا خالدًا لكرة القدم، وأيقونة ألهمت أجيالًا بفنياته وأهدافه التي ساهمت في رفع راية السامبا عاليًا.
بينما يحظى مارادونا بمكانة أسطورية في الأرجنتين، حيث يُمجد كبطل شعبي قاد بلاده للمجد بأداء ملحمي ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ اللعبة.
هذا الاهتمام المتبادل والاعتزاز العميق بأسطورتيهما يعكس عمق العلاقة بين الشعوب وهويتها الكروية، حيث يتجاوز التمجيد حدود الأرقام ليصبح جزءًا من الوجدان الوطني.
البداية: شرارة التحدي
تعود حكاية هذه المواجهة إلى 20 سبتمبر 1914، حين كان منتخب البرازيل “حديث العهد” يستعد لخوض مباراته الثانية فقط، بعدما لعب مباراة واحدة حقق فيها الانتصار بنتيجة (2-0) على فريق إكستر سيتي الإنجليزي في ريو دي جانيرو.
وكان التحدي التالي للبرازيل مقررًا أمام الأرجنتين في بوينس آيرس، حيث كان من المنتظر أن يتنافسان على كأس خوليو روكا، التي أسسها الرئيس الأرجنتيني آنذاك، على أمل أن تساهم المباريات المنتظمة في تحسين العلاقات بين البلدين الجارين.
إلا أن تأخر السفينة التي كانت تقل المنتخب البرازيلي حال دون إقامة البطولة في موعدها، لتُستبدل بمباراة ودية أصبحت لاحقًا اللبنة الأولى لأعظم منافسة في تاريخ كرة القدم الدولية، انتصرت فيها الأرجنتين بنتيجة (3-0) بفضل ثنائية من كارلوس إيزاغويري وهدف من أكيليس مولفينو.
لكن البرازيل لم تنتظر طويلًا للثأر، واستغلت إعادة جدولة مباراة كأس روكا بعد أسبوع واحد فقط، وحققت البرازيل لقبها الأول بالفوز على أصحاب الأرض بنتيجة (1-0) بفضل هدف من روبين ساليس لاعب فريق “باوليستانو”.

فترات الهيمنة في سوبر كلاسيكو
بدأت الأرجنتين الهيمنة على المواجهات المباشرة في المراحل الأولى من تاريخ “سوبر كلاسيكو”، وحققت نجاحًا كبيرًا في كوبا أمريكا سواء بحضور البرازيل أو في غيابها. فقد توج “راقصو التانغو” باللقب 12 مرة بين عامي 1921 و1959 (وحلوا وصيفًا في سبع مناسبات).
ورغم وصول الأرجنتين إلى وصافة أول نسخة من كأس العالم عام 1930، فإنها تخلفت عن البرازيل على الساحة العالمية بعد ذلك، إذ حصد “السيليساو” ثلاثة ألقاب في أعوام 1958 و1962 و1970، بينما أصبح بيليه أيقونة كرة القدم العالمية.
في المقابل، انتظرت الأرجنتين حتى عام 1978 لتحقق لقبها الأول على أرضها، بعدما واجهت البرازيل في الطريق، قبل أن تضيف لقبها الثاني في المكسيك عام 1986 بقيادة أسطورتها دييغو مارادونا.
التقى المنتخبان مجددًا في الأدوار الإقصائية لكأس العالم 1990، حيث بلغت الأرجنتين النهائي وخسرت أمام ألمانيا الغربية.
بعد ذلك، أضافت البرازيل لقبين آخرين في 1994 و2002 لتصل إلى خمسة ألقاب، بينما رفعت الأرجنتين رصيدها إلى ثلاثة ألقاب بفوزها بكأس العالم 2022.
وشهدت مواجهات البلدين فترات من السيطرة المطلقة لأحدهما؛ إذ سجلت البرازيل أطول سلسلة من المباريات دون هزيمة في “سوبر كلاسيكو”، بعدما حافظت على سجلها خاليًا من الخسائر أمام الأرجنتين في 13 مباراة متتالية بين عامي 1970 و1983.
لكن الأرجنتين عادت لترد الاعتبار، وحققت سلسلة من الانتصارات المهمة، كان أبرزها في نهائي كوبا أمريكا 2021، عندما كسر ليونيل ميسي نحسه مع المنتخب وقاد الفريق للتتويج بالبطولة بعد التفوق على البرازيل في النهائي بهدف أنخيل دي ماريا.

ثم نجح منتخب الأرجنتين بعدها في إنهاء سلسلة رائعة لمنتخب البرازيل وأسقطه في أول هزيمة بعد 64 مباراة على أرضه في تصفيات كأس العالم.
مواجهات كأس العالم
عندما يتعلق الأمر بمواجهات كأس العالم بين البرازيل والأرجنتين، فإن “سوبر كلاسيكو” يأخذ بعدًا تاريخيًا مميزًا، حيث تمتلك البرازيل سجلًا أفضل في هذه اللقاءات بتحقيقه الانتصار مرتين، بينما حققت الأرجنتين فوزًا وحيدًا، وتعادلا مرة واحدة.
جاءت أول مواجهة بين العملاقين في كأس العالم خلال نسخة عام 1974 التي استضافتها ألمانيا الغربية. في تلك المباراة، التي أقيمت بمدينة هانوفر ضمن منافسات الدور الثاني من مرحلة المجموعات، تمكن المنتخب البرازيلي من تحقيق الفوز بنتيجة (2-1)، بفضل هدفي النجمين ريفيلينو وجاييرزينيو.
في النسخة التالية من المونديال عام 1978، والذي استضافته الأرجنتين، تواجه المنتخبان مرة أخرى، لكن هذه المرة انتهت المواجهة بالتعادل السلبي، في مباراة اتسمت بالندية والحذر، حيث سعى كل طرف لتفادي الخسارة في ظل المنافسة الشرسة آنذاك.

أما في مونديال 1982 بإسبانيا، فجددت البرازيل تفوقها على الأرجنتين بعدما حسمت المواجهة لصالحها بنتيجة (3-1) في الدور الثاني، بتوقيع زيكو وسيرجينيو وجونيور؛ ولكن السيليساو خسر بطاقة الصعود إلى نصف النهائي لصالح إيطاليا التي توجت باللقب آنذاك على حساب ألمانيا.
ظل المنتخب الأرجنتيني يبحث عن انتصاره الأول على البرازيل في كأس العالم حتى جاء مونديال 1990 بإيطاليا، حيث التقى المنتخبان في دور الـ16 في مواجهة لا تُنسى.
حينها، تمكن النجم كلاوديو كانيجيا من تسجيل الهدف الوحيد في المباراة بعد تمريرة سحرية من دييغو مارادونا، ليقود “لا ألبيسيليستي” إلى ربع النهائي على حساب الغريم الأزلي.
واصل المنتخب الأرجنتيني مسيرته في البطولة حتى وصل إلى النهائي، لكنه خسر أمام ألمانيا الغربية بهدف دون رد.

المباريات النهائية
عندما يصطدم المنتخبان في المباريات النهائية، تكون الإثارة في أوجها.
التقى منتخبا البرازيل والأرجنتين في خمس نهائيات كبرى، كان التفوق من نصيب السامبا في ثلاث منها، حيث حسم نهائي كوبا أمريكا 2004، عندما سجل أدريانو هدف التعادل القاتل في الدقيقة 93، قبل أن تفوز البرازيل بركلات الترجيح.
كما تفوق رجال “السيليساو” مجددًا على رجال التانغو في نهائي كأس القارات 2005 بالفوز بنتيجة (4-1).
كما جاءت واحدة من أقسى الهزائم الأرجنتينية في نهائي كوبا أمريكا 2007، عندما اكتسحت البرازيل منافستها بثلاثية نظيفة بقيادة جوليو بابتيستا وداني ألفيس.

بينما تفوّق المنتخب الأرجنتيني على نظيره البرازيلي في مباراتين نهائيتين، كانت آخرهما والأبرز على الإطلاق في كأس كوبا أمريكا عام 2021 من قلب معقل السامبا التاريخي ملعب ماراكانا.
التتويجات الكبرى: صراع الذهب
على مستوى البطولات “الجماعية” الكبرى، تتفوق البرازيل من حيث عدد ألقاب كأس العالم، حيث توجت باللقب خمس مرات، مقارنةً بثلاث مرات للأرجنتين.
لكن في بطولة كوبا أمريكا، تتفوق الأرجنتين برصيد 16 لقبًا مقابل 9 ألقاب للبرازيل.
أما في الجوائز الفردية “أفضل لاعب في العالم”، فقد حققت البرازيل 8 ألقاب عبر نجومها مثل رونالدو، روماريو، ريفالدو، رونالدينيو وكاكا، كما حصدت الأرجنتين 8 ألقاب ايضًا جميعها بفضل ليونيل ميسي.

أبرز نتائج سوبر كلاسيكو وأرقام تاريخية
حققت الأرجنتين أكبر انتصار في تاريخ سوبر كلاسيكو عام 1940، حيث سجل كارلوس بيوسيلي ثلاثية ليقود فريقه للفوز (6-1) في بطولة “كوبا روكا” في بوينس آيرس.
أما أكبر انتصارات البرازيل على الأرجنتين فكان بنتيجة (6-2)، بفضل تألق زيزينيو وأديمير دي مينيزيس، في نفس البطولة بعد خمس سنوات.
وشهدت مواجهات سوبر كلاسيكو تسجيل 8 ثلاثيات (هاتريك) عن طريق مانويل سواني، كارلوس بيوسيلي، نوربرتو مينديز، خوسيه سانفيلبو، بيليه، ريفالدو، رونالدو وليونيل ميسي.
ويحتفظ بيليه بالرقم القياسي كأفضل هداف في مواجهات الأرجنتين والبرازيل، بعدما سجل 8 أهداف في 10 مباريات. يليه ليونيداس دا سيلفا (7)، هيرمينيو ماسانتونيو (7)، إميليو بالدونيدو (6)، نوربرتو مينديز (5) ورونالدو (5).
يُعد أسطورة الأرجنتين خافيير زانيتي أكثر اللاعبين مشاركة في سوبر كلاسيكو برصيد غير مسبوق بلغ 16 مباراة.
يليه كل من ليونيل ميسي (14)، دييغو سيميوني (13)، كافو (13)، خافيير ماسكيرانو (12)، جالمار سانتوس (11)، جيلمار (11)، روبرتو كارلوس (11)، نيمار (11)، بيليه وروبرتو أيالا (10).
تاريخ مواجهات البرازيل والأرجنتين
المنافسة | فوز البرازيل | فوز الأرجنتين | التعادل |
كأس العالم | 2 | 1 | 1 |
تصفيات كأس العالم | 4 | 4 | 3 |
كوبا أمريكا | 10 | 16 | 8 |
كأس القارات | 1 | 0 | 0 |
المباريات الودية | 26 | 21 | 14 |
الإجمالي | 43 | 42 | 26 |
نتيجة آخر مباراة سوبر كلاسيكو
المباراة | التاريخ | المناسبة |
البرازيل (1-4) الأرجنتين | الأربعاء 26 مارس 2025 | تصفيات كأس العالم 2026 – الجولة 14 – ملعب المونيمونتال |
اقرأ ايضاً