فورست غرين.. مشروع ملعب كرة قدم يتحول إلى نموذج بيئي عالمي

لم تعد كرة القدم مجرد رياضة، بل أصبحت منصة للتغيير والابتكار في مختلف المجالات، ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك يأتي مشروع فورست غرين روفرز “إيكو ستاديوم” في إنجلترا، الذي يهدف إلى إحداث ثورة في مفهوم الملاعب، عبر الجمع بين الاستدامة البيئية والتصميم المعماري المتطور.
نادي فوريست غرين روفرز لكرة القدم هو من أعرق الأندية الإنجليزية، إذ تأسس عام 1889 في بلدة نيلسوورث “جلوسيسترشير”، ويلعب الفريق حاليًا في دوري الدرجة الخامسة.
ويعد صعود فورست غرين إلى دوري الدرجة الثالثة للمحترفين (League Two) موسم 2016-2017 هو أبرز إنجاز في تاريخ النادي، بجانب تحقيقه لقب دوري الدرجة الرابعة في موسم 2021-2022.
ويسعى نادي فورست غرين روفرز الإنجليزي، المعروف بأنه “أكثر أندية العالم خضرة”، إلى تحويل ملعبه الجديد إلى نموذج عالمي للملاعب المستدامة، حيث لن يكون مجرد منشأة رياضية، بل نواة لمشروع بيئي متكامل.
يشمل مشروع فورست غرين روفرز حديقة رياضية وتقنية خضراء تمتد على مساحة نصف كيلو متر مربع، بتمويل من شركة “إيكوتريسيتي”، التي أسسها رئيس النادي “دايل فينس”، وهو أحد رواد الطاقة المتجددة في بريطانيا.
وتقوم رؤية مشروع ملعب فورست غرين على الحفاظ على الطابع الريفي للمنطقة، مع إضافة مرافق حديثة تساهم في تعزيز الحياة اليومية لسكان البلدة.
ولن يقتصر دور الملعب على احتضان المباريات، بل سيكون مركزًا للنشاط المجتمعي والترفيهي طوال أيام السنة.

تصميم فورست غرين يجسد الاستدامة
تم تكليف مكتب زها حديد للهندسة المعمارية بتصميم ملعب فوريست غرين روفرز، ليكون الأول من نوعه في العالم الذي يُبنى بالكامل من الخشب المستدام، وهي خطوة غير مسبوقة في مجال المنشآت الرياضية.
ويتميز مكتب زها حديد للهندسة المعمارية، الذي تأسس عام 1980 في لندن على يد المعمارية العراقية البريطانية زها حديد، بتصاميمه الطليعية التي تمزج بين الأشكال الانسيابية والتكنولوجيا الحديثة. ومن أبرز أعماله: مركز حيدر علييف، ومتحف ريفرسايد، واستاد الوكرة؛ ورغم رحيل زها حديد عام 2016، يواصل المكتب إرثها الإبداعي في استكشاف آفاق العمارة المعاصرة.
ويتضمن تصميم هيكل ملعب فورست غرين، المدرجات، الأرضيات، وحتى الواجهة الخارجية، وجميعها مصنوعة من خشب معاد تدويره أو مستدام، ما يقلل من البصمة الكربونية بشكل هائل مقارنة بالملاعب التقليدية التي تعتمد على الخرسانة والفولاذ.
وصُمم سقف ملعب فورست غرين بشكل مبتكر، حيث تم تغطيته بغشاء شفاف يسمح بمرور الضوء الطبيعي، ما يساعد على نمو العشب بطريقة طبيعية، ويحد من الظلال القوية التي قد تؤثر على رؤية اللاعبين والجماهير.
كما يسهم هذا الغشاء في دمج الملعب مع المنظر الطبيعي المحيط، ليبدو كامتداد للمشهد الريفي بدلاً من أن يكون منشأة صلبة تطغى على البيئة المحيطة.

أجواء كروية حماسية بتصميم متطور
يولي مشروع فورست غرين أهمية كبيرة لتجربة المشجعين، إذ تم تصميم المدرجات بحيث يكون الجمهور قريبًا من أرضية الملعب، حيث لا تفصلهم سوى خمسة أمتار عن خط التماس، ما يعزز من الأجواء الحماسية ويجعل التجربة أكثر تشويقًا.
بالإضافة إلى ذلك، تم توزيع المقاعد بعناية لضمان رؤية مثالية من جميع الزوايا دون أي عوائق.
التصميم يأخذ بعين الاعتبار النمو المستقبلي للنادي، إذ يمكن توسيع السعة الاستيعابية للملعب من 5,000 متفرج إلى 10,000 متفرج، دون الحاجة إلى عمليات بناء معقدة أو مكلفة، وذلك بفضل الهيكل الذكي القابل للتوسع بسهولة.
أول ملعب محايد للكربون في العالم
لا يتوقف طموح النادي عند الحد من الانبعاثات الكربونية، بل يسعى إلى جعل الملعب محايدًا كربونيًا، أو حتى سالب الكربون، من خلال اعتماد الطاقة المتجددة كمصدر رئيسي للتشغيل.
وستتم تغطية احتياجات الاستاد من الكهرباء عبر مزيج من الألواح الشمسية، وطاقة الرياح، وتقنيات إعادة تدوير المياه، مما يجعل الملعب نموذجًا حقيقيًا للاستدامة البيئية.

وفي هذا السياق، صرح دايل فينس: “أهم ما يميز هذا الاستاد أنه سيكون مصنوعًا بالكامل من الخشب، وهو أمر غير مسبوق عالميًا.
الخشب ليس فقط مادة طبيعية، بل إنه يمتلك أقل بصمة كربونية ممكنة مقارنة بأي مادة بناء أخرى، وعندما نعلم أن 75% من الأثر الكربوني لأي ملعب يأتي من مواد البناء، ندرك مدى أهمية هذه الخطوة.”
إيكو بارك.. مدينة خضراء بجوار الملعب
إلى جانب ملعب فورست غرين، سيتم تطوير منطقة “إيكو بارك”، التي ستقسم إلى نصفين رئيسيين:
سيضم النصف الأول مرافق رياضية حديثة، تشمل ملاعب تدريب عشبية وصناعية، ومركزًا متطورًا لعلوم الرياضة، ومنشآت رياضية متعددة الاستخدامات متاحة للجمهور.
بينما سيشمل النصف الثاني مجمعًا للأعمال الخضراء، يهدف إلى استقطاب الشركات العاملة في مجالات التكنولوجيا البيئية والطاقة المتجددة، مع إمكانية توفير 4,000 وظيفة جديدة.
كما يتضمن المشروع إنشاء محمية طبيعية، ومحطة نقل عام صديقة للبيئة تشمل مشروع “بارك آند رايد”، إلى جانب المساهمة في إعادة تأهيل قناة “سترودووتر” التاريخية، مما يرسخ التزام المشروع بالتنمية المستدامة على جميع المستويات.
تحديات مشروع فورست غرين
رغم الرؤية الطموحة لمشروع فورست غرين، فإنه يواجه بعض العقبات، حيث حصل في البداية على دعم المجالس المحلية، لكنه قوبل بالرفض في صيف 2019، ما جعل مستقبله غير مؤكد حتى الآن.
ورغم ذلك، يواصل النادي العمل على إيجاد حلول تضمن تنفيذ المشروع وتحقيق هدفه في إحداث تحول جذري في مفهوم الملاعب الرياضية حول العالم، كي يُثبت أن كرة القدم يمكن أن تكون أكثر من مجرد رياضة، بل يمكن أن تصبح قوة دافعة نحو مستقبل أكثر استدامة، حيث يمكن تكامل المتعة الرياضية مع المسؤولية البيئية في نموذج يحتذى به عالميًا.
وإذا تحقق هذا المشروع، فإنه لن يكون مجرد ملعب، بل علامة فارقة في تاريخ الرياضة، تُظهر كيف يمكن أن تتطور كرة القدم لتصبح نموذجًا بيئيًا عالميًا، يوازن بين الابتكار والاستدامة والمسؤولية المجتمعية.
اقرأ ايضاً